الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدهش في المحاضرات (نسخة منقحة)
.الفصل الحادي عشر في قصة أيوب عليه السلام: جُمع لأيوب بين كثرة المال وحسن الأعمال، فملا مدحُه بالوفاق الآفاق، فأثارت تلك الآثار حسدًا من إبليس قد تقادم منذ آدم، فقال: يا رب أن سلطني عليه، ألقيته في الفتنة، فألفيته في الفئة المفتونين، فقيل: قد سلطناك على ماله من مال، فمال إلى جميع عفاريته، ففرقهم في تمزيق ماله، وتولى هو رَمْيَ بيته على بنيه، ثم أتى في صورة معلمهم يعلمه، فرأى ذلك لا يؤلمه، أنصت العدو ليسمع عربدة السكر، فإذا أيوب يتلو آيات الشكر، فصاح بلسان حسده، سلطني على جسده، فسلطه وقد سبقه الصبر، فتقطع الجسم وداد: وما تقطع رسم الوداد، فأخرجه أهل قريته، لقرح قرحه إلى قرواح كناسة، فرموه كسيرًا كالكسرة وكساء كساده عندهم أعلى عندنا من أغلى كسوة كسرى، فلم يزل ما نزل به حتى بدا حجابُ بطنه، وكان يبصر عظامه ومعاه معًا.للمهيار:فدام هذا البلاء عليه سنين، وفِدام الصمت عن الشكوى على فيه تبين، ولم يبق غير اللسان للذكر، والقلب للفكر، فلو أصغى إلى نطق حاله سمع فهم، أو سأله عن وجده رب قلب لسمع من الذماء الذما يناجي به الحق.للشريف الرضي: فلما كع إبليس، لقي زوجته في صورة متطبب، فقال: عندي دواؤه، بشرط أن يقول بشفتيه شفيتني. فجاءت تدب، وقد أنساها طول البلاء تدبر المعنى، فأخبرت من قد خبر عدو العدو، فغضب المؤدب على تلميذ ما يقوم بطول الصحبة، فحلف لئن شفي، ليجلدنها مئة، فبينا المرء يكابد المر، مر به صديقان له، فقالا: لو علم الله من هذا خيرًا، ما بلغ به هذا الأمر، فما شد على سمعه أشد من ذلك، فخر على عتبة {ولا تُشْمِت} واستغاث بلفظ {مَسَّنيَ} وصاح بإدلال {لو أقسم} فجاء بجبريل برسالة {اركض} وليس العجب لو ركض جبريل إنما العجب أن يركض العليل، فركضت خيل النعم عند ركضته فردت، وما غار الماء ما أغير عليه من نعمته، فنسي بنسيم العافية، ما ألمَّ من ألم، وردت يد المنة، كل ما مر منه وذهب، وكان نثار الرضا على واديه، بعد أن جرى وادي جرادى من ذهب، وأقبلت زوجته، وعليه يمين ضربها، وما كان يحسن في مقابلة صبرها، فأقبل لسان الوحي يتلو فتوى الرحمة، ويراعي ما سبق من مراعاة رحمة {وخذ بيدك ضِغثًا} تالله ما ضره ما أكل من جسده الدود، لما اختال في ثوب مودود، وأصبح مصطحبًا شراب السرور، من جود الجود، فرنت قيان الفرح، إذ غنت السنة المدح لا يعود، وفاح عبير الثناء فزاد نشره على كل عود {إنَّا وجدناه صابرًا نعم العبد}. .الفصل الثاني عشر في قصة شعيب عليه السلام: لما رأى شعيب شعب شعاب قومه قد امتلأت بالجور، صعد منبر التذكير بالإنعام، ولكن بين الأنعام، فخوّفهم من قحم قحل القحط في إشارة {إني أراكم بخير} فتلقوه باستهزاء {أصلواتك} ومدوا نحوه باع النخوة {لنخرجنك} وتعللوا بحجة {ما نفقه} وانتهوا إلى عتو {فأسقِط علينا} فلما اسمهر ظلام ظلمهم، اسحنكك ليل إدبارهم، واسلنطح نهار هلاكهم، فحقحق إليهم ما حق عليهم من محقهم، فأضل على ظلل ضلالهم {عذاب الظلّة} فارتجت أرجاء بيوتهم، برج الرجفة، وشدت عليهم شدة الحر، فهربوا إلى البر، فإذا سحابة تسحب ذيل برد البرد، فتنادوا هلموا إلى راحة الروح، فلما تم اجتماعهم في قصر الحصر، وظنوا أنها من حر وقتهم وَقَتْهم، نزلت بهم نار فأحرقتهم، فساروا إلى جهنم في أسر أدبارهم، وسار بعد بعدهم في إدبارهم، نذير التحذير من تبديرهم، وعابهم في عقاب عقابهم {ألا بُعدًا لمدين} فليحذر العصاة مثل أفعى أفعالهم، وليتق أعمى البصيرة شبه أعمالهم، وليخف المطففون من أخذ التطفيف في مكيالهم، وليسمعوا نذير العبرة، فقد أوحى إليهم بشرح أعمالهم..الفصل الثالث عشر في ذكر بداية موسى عليه السلام: كانت الكهنة أخبرت فرعون بوجود موسى، فأطلق الموسى في ذبح الأطفال، فلما اتهمت أم موسى بالوضع، أوضع الحرس إلى بيتها بالطلب، فأدركها عند العلم الدهش، فألقته في التنور إلقاء الحطب، فلما عادت فرأته قد سلم شاهدت في ضمن ما صنعت أثر {واصطنعتك} فكانت سلامته من النار نقدًا لأجل احتمل لأجله وعدًا لنجاة يوم أليم، لما سعت بتابوته إلى البحر، ارتعشت يد التسليم فأمسكها، فصاح شجاع الشجاعة بملء فيه: أن اقذفيه فيه، فصدرت بعد إلقائه بصدر قد لوى به لواعج الاشتياق، لا يعلم قدر ما به، إلا من قد رمي به، فتلقاها بالبشر بشير {إنّا رادُّوه} فلم تزل أمواج اليم، تيمم به مسالك القدر، إلى أن خبت به خيل النيل، فشرعت في تناوله مشرعة دار فرعون، فألقته في برية {فالتقطه} فلما فتحوا التابوت أسفر عن مسافر على نجيب النجابة، قد جعل زاده في مزود {ولتُصنع} ووشح قلادة الحب قد رصعت بدر {وألقيتُ} فقام فرعون على أقدام الإقدام على قتله، فخرجت آسية من كمين أتباعه، تنطق عن لسان {سبقت لهم} وتنادي في مخدع خديعة الحرب {قرة عين لي ولك} وتجمع في كلامها ما هو فرد في لغة الغدر {عسى أن ينفعنا} فلم يزل فرعون في أغباش غرور يذبح، حتى طلع غرر صبح {ونريد أن نمنّ} فلما قص شوق أمه جناح صبرها، قالت لأخته {قصيه فبَصُرَت به} في حريم {وحرّمنا} فدنت فدندنت حول حلة الحيلة، بحول {هل أدلكم} فلما حفظت باب المكر، بحارس {يكفلونه لكم} دخل طفيلي الوجد من باب {وهم له ناصحون} فجاءت بأمها يؤمها دليل الطرب، فكادت إذ حضرت تحضر في ميدان {لتبدي به} فكبحها لجام {لولا أن ربطنا} فخافت لسان جهرها لما خافت، فسل من أيديهم إلى سلم تسليمها، فقر في حجر {كي تقر عينها} وترنمت بلابل الوصال فأخرست بلابل الفراق.فربي موسى في ربى فرعون، ونمى بين نمارقه، إلى أن آن أوان مشاجرته، فجرى القدر بقتل القبطي، ليكون سببًا في سر سير {ولما توجّه} فسعى على أرجاء رجاء {عسى ربي} فتزود مزود {ولما ورد} فتجمع شمل الصهر بواسطة {إنَّ أبي} فبقي ضمان الوفاء إلى أمانة {فلما قضى موسى الأجل} فتلمح معنى {قال لأهله امكثوا} فيبدو في بادية الحيرة أنيس {إني آنست} فترامى كف الطمع إلى مرامي {لعلِّي آتيكم} فأطل على طلل الطلب أقدام {فلما أتاها} فتلقط ثمار التكلم من غير كلفة {وهزي} تساقط من جني جنات التجلي {إني أنا الله}..الفصل الرابع عشر في تكليم الله عز وجل موسى عليه السلام: لما خرج موسى بأهله من مدينة مدين، انطلق طلق الطلق بزوجته فما زال يكادح المقادح فلم تور، لأن عروس نار الطور لما همت بالتجلي، نوديت النيران بلسان الغيرة من المشاركة (غضى) فقام على أقدام التحيرة، فهتف به أنيس {آنس} فأنس:فشمر موسى عن ساق القصد وساق، فلما أتى النادي {نودي} فحين ذاق لذة التكليم، جرح قلبه نصل الشوق، فلم يداوه إلا طبيب {وواعدنا}. فبعث في حرب فرعون، فلم يزل مشغولًا بالجهاد، إلى أن قبر القتيل في لحد اليم، فطلب قومه كتابًا يضبط شاردهم ويرد نادهم، فأمره الله أن يصوم ثلاثين ليلة، نهاره وليله فأمسك على مسك الإمساك بكف الكف في الوصال، فدام فِدامُ فيه عن مطمع المطعم، فقيد فقيد قوت الوقت، فصار في قيء ذكر الوعد، فما انقضت الليالي حتى انقضت ظهر البصر، فقام لتراى جلال الوفاء بالأمر، فلاح في مطلع فلاح القصد، فبادر يسعى على أقدام الحب، إلى زيادة ربع الحب، فكاد يقله قلقلة الوجد، فوجد الهواء متغير الريح، في عرضة الفم، فصاح به فصيح لسان الحزم من وراء رأي العزم: يا موسى غير أثرًا لازم، فتناول مضغة من النبات فمضغها، فقيل له: أيها الصائم عن أمرنا، لم أفطرت برأيك؟ فقال: وجدت لفمي خَلوفًا، وما أردت بفعلي خلافًا، فقيل: ما علمت أن فور فورة الخلوف من قدر الإمساك، أطيب عندنا من فارة فارة المسك، إنا لننظر إلى قصد الفاعل لا إلى صورة الفعل، الدم نجس مجتنب، لكنه في حق الشهيد شهي «زملوهم بكلومهم ودمائهم» فرجع موسى عاكفًا على معتكف كف كفه {فتم ميقات ربه} وأحضر حظيرة القدس، فنسي الأنس، مما آنس من الأنس: فلما دارت في دائرة دار الحب كؤوس للقرب، وسمع النداء وسط النادي بلا واسطة، وسيط له من وسيط أقداح المنى في المناجاة بلا وسيط، طاب له شراب الوصال من أوطاب الخطاب، في أواني سماع الكلام، فناداه توق شوقه: رأى على الغور وميضًا فاشتاق، ما أجلب البرق لدمع الأماق فصاح لسان الوجد {أرني} فرد شارد شحذان الشوق على الطوى بطوق {لن تراني} إلا أن جزع الفطام سكن شعله بتعلة {ولكن} فلما تجلى جل جلاله للجبل مر، فخر موسى في بحر الصعق فرقًا، فرقي فرقه ذروة {سبحانك تبت إليك} ما انبسط موسى يقول أرني إلا ببسط، سلني ولو ملح عجينك، ولو تركه مع رعيه الغنم في شعب شعيب لما جال في ظنه ذلك الطمع، ولكنه استدعاه بالنداء، وآنسه بالتقريب، وباسطه بالتكليم. كان موسى يطوف في بني إسرائيل، ويقول من يحمّلني رسالة إلى ربي؟ ما كان مراده إلا أن يطول الحديث مع الحبيب: مات موسى قتيل شوق {أرني} فلما جاز عليه نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، ردده في الصلوات، ليسعد برؤية من قد رأى:
|